فصل: حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر عدة حوادث:

وفيها توفي أبوبكر أحمد بن محمد بن الحجاج المروروذي، وهوصاحب أحمد بن حنبل؛ وعبد الله بن يعقوب بن إسحاق العطار الموصلي التميمي، وكان كثير الحديث والرواية، وكان معدلاً عند الحكام.
وفيها توفي أبوسعيد الحسن بن الحسين بن عبد الله البكري النحوي الغوي المشهور، صاحب التصانيف، وقيل توفي سنة سبعين، والأول أصح.

.حوادث سنة ست وسبعين ومائتين:

في هذه السنة جعلت شرطة بغداد إلى عمروبن الليث، وكتب اسمه على الأعلام والترسة وغيرهأن وكان ذلك في شوال، ثم ترتب في الشرطة عبيد الله بن طاهر من قبل عمرو، ثم أمره بطرح اسم عمروعن الأعلام وغيرها في شوال من هذه السنة.
وفيهأن في منتصف شهر ربيع الأول، سار الموفق إلى بلاد الجبل، وسبب مسيره أن الماذرائي، كاتب أذكوتكين، أخبره أن له هناك مالاً عظيمأن وأنه إن سار معه أخذه جميعه، فسار إليه، فلم يجد المال، فلما لم يجد شيئاً سار إلى الكرج، ثم إلى أصبهان يريد أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف، فتنحى أحمد عن البلد بجيشه وعياله، وترك داره بفرشها لينزلها الموفق إذا قدم.
وفيها استعمل الموفق بالله على أذربيجان ابن أبي الساج، فسار إليهأن فخرج إليه عبد الله بن الحسن الهمداني، صاحب مراغة، ليصدره عنهأن فحاربه، فانهزم عبد الله وحصر، وأخذت منه سنة ثمانين ومائتين، كما نذكره، واستقر ابن أبي الساج لعمله.
وفيها توفي محمد بن حماد بن إسحاق بن حماد بن يزيد القاضي.
وفيها قتل عامل الموصل لاين كنداج إنساناً من الخوارج اسمه نعيم، فسمع هارون وتقدم الخوارج بذلك وهوبحديثه الموصل، فجمع أصحابه وسار إلى الموصل يريد حرب أهلهأن فنزل شرقي دجلة، فأرسل إليه أعيانهم ومقدموهم يسألونه ما الذي أقدمه؟ فذكر قتل نعيم؛ فقالوا: إمنا قتله عامل السلطان من غير اختيار منأن وطلبوا منه الأمان ليحضروا عنده يعتذرون، ويتبرئون من قتله، فأمنهم، فخرج إليه جماعة من أهل الموصل وأعيانهم، وتبرؤوا من قتله، فرحل عنهم.
وفيها عاد حجاج اليمن عن مكة، فنزلوا واديأن فأتاهم السيل فحملهم جميعهم وألقاهم في البحر.
وفيها توفي أبوقلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي البصري، وكان يسكن بغداد.
وفيها ورد الخبر بانفراج تل من نهر البصرة، يعرف بتل شقيق، عن سبعة أقبر فيها سبعة أبدان صحيحة، والقبور في شبه الحوض من حجر في لون المسن، عليه كتاب لا يدري ما هو، وعليهم أكفان جدد ويفوح منها ريح المسك، أحدهم شاب له جمة وعلى شفتيه بلل كأنه قد شرب ماء، كأنه قد كحل، وبه ضربة في خاصرته.
وحج بالناس هارون بن محمد الهاشمي.
وفيها توفي أبومحمد عبد اله بن مسلم بن قتيبة، صاحب كتاب: أدب الكاتب، وكتاب المعارف، وهوكوفي، وإمنا قيل له الدينوري لأنه كان قاضيهأن وقيل مات سنة سبعين؛ وأبوسعيد الحسن بن الحسين بن عبد الله اليشكري النحوي الراوية، وكان مولده سنة اثنتي عشرة ومائتين.
وفيها توفي محمد بن علي أبوجعفر القصاب الصوفي، وهومن أقران السري وصحبه الجنيد كثيراً.

.حوادث سنة سبع وسبعين ومائتين:

في هذه السنة دعا بازمار بطرسوس لخماريه بن أحمد بن طولون.
وسبب ذلك أن خمارويه أنفذ إليه ثلاثين ألف دينار، وخمسمائة ثوب، وخمسمائة مطرف، وسلاحاً كثيرأن فلما وصل إليه دعا له، ثم وجه إليه بخمسين ألف دينار.
وفيهأن في شهر ربيع الآخر، كان بين وصيف خادم ابن أبي الساج والبرابرة أصحاب أبي الصقر قتنة، فاقتتلوأن فقتل بينهم جماعة؛ كان ذلك بباب الشام، فركب أبوالصقر ففرقهم.
وفيها ولي يوسف بن يعقوب المظالم، وأمر من ينادي: من كانت له مظلمة قبل الأمير الناصر لدين الله الموفق، أوأحد من الناس، فليحضر.
وفيهأن في شعبان، قدم بغداد قائد عظيم من قواد خمارويه بن أحمد بن طولون في جيش عظيم؛ وحج بالناس هارون بن محمد بن عيسى الهاشمي.
وفيها توفي أبوجعفر أحمد بن أبي المثنى الموصلي، وكان كثير الحديث، وهومن أهل الصدق والأمانة.
وفيها توفي أبوحاتم الرازي، واسمه محمد بن إدريس بن المنذر، وهومن أقران البخاري ومسلم.
ومات فيها يعقوب بن سفيان بن حوان السري، وكان يتشيع؛ ويعقوب ابن يوسف بن معقل الأموي، والد أبي العباس الأصم.
وفيها توفيت عريب المغنية المأمونية، وقيل إنها ابنة جعفر بن يحيى ابن خالد بن بمك، وكان مولدها سنة إحدى وثمانين ومائة.
وفيها توفي أبوسعيد الخراز، واسمه أحمد بن عيسى، وقيل سنة ست وثمانين، والأول أشبه بالصواب.
الخراز بالخاء المعجمة والراء والزاي.

.حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين:

.ذكر الفتنة ببغداد:

فيها كانت الحرب ببغداد بين أصحاب وصيف الخادم والبربر، وأصحاب موسى ابن أخت مفلح، أربعة أيام من المحرم، ثم أصطلحوأن وقد قتل بينهم جماعة، ثم وقع بالجانب الشرقي وقعة بين أصحابه يونس قتل فيها رجل، ثم انصرفوا.

.ذكر وفاة الموفق:

وفيها توفي أبوأحمد الموفق بالله بن المتوكل، وكان قد مرض في بلاد الجبل، فانصرف وقد اشتد به وجع النقرس، فلم يقدر على الركوب، فعمل على سرير عليه قبة، فكان يقعد عليه، وخادم له يبرد رجله بالأشياء الباردة، حتى إنه يضع عليها الثلج، ثم صارت علة برجله، داء الفيل، وهوورم عظيم يكون في الساق، يسيل منه ماء، وكان يحمل سريره أربعون رجلاً بالنوبة، فقال لهم يوماً: قد ضجرتم من حملي، بودي أن أكون كواحد منكم أحمل على رأسي، وآكل، وأنا في عافية.
وقال في مرضه: أطبق ديواني على مائة ألف مرتزق، ما أصبح فيهم أسوأ حالاً مني؛ فوصل إلى داره لليلتين خلتا من صفر، وشاع موته بعد انصرف أبي الصفر من داره، وكان تقدم بحفظ أبي العباس، فأغلقت عليه أبواب دون أبواب، وقوي الإرجاف بموته، وكان قد اعترته غشية، فوجه أبوالصقر إلى المدائن، فحمل منها المعتمد وأولاده، فجيء بهم إلى داره، ولم يسر أبوالصقر إلى دار الموفق.
فلما رأى غلمان الموفق الماثلون إلى أبي العباس والرؤساء من غلمان أبي العباس ما نزل بالموفق، كسورا الأقفال والأبواب المغلقة على أبي العباس، فلما سمع أبوالعباس ذلك ظن أنهم يريدون قتله، وأخذ سيفه بيده، وقال غلام عنده: واله لا يصلون إلي وفي شيء من الروح! فلما وصلوا إليه رأى في أولهم غلامه وصيفاً موشكير، فلما رآه ألقي السيف من يده، وعلم أنهم ما يريدون إلا الخير، فأخرجوه وأقعدوه عند أبيه، فلا فتح عينه رآه، فقربه وأدناه إليه.
وجمع أبوالصقر عنده القواد والجند، وقطع الجسرين، وحاربه قوم من الجانب الشرقي، فقتل بينهم قتلى، فلما بلغ الناس أن الموفق حي حضر عنده محمد بن أبي الساج، وفارق أبا الصقر، وتسلل القواد والناس عن أبي الصقر؛ فلما رأى أبوالصقر ذلك حضر هووابنه دار الموفق، فما قال له الموفق شيئاً مما جرى، فأقام في داره الموفق، فلما رأى المعتمد أنه بقي في الدار نزل هووبنوه وبكتمر، فركبوا زورقاً فلقيهم طيار لأبي ليلى بن عبد العزيز بن أبي دلف، فحمله فيه إلى دار علي بن جهشيار.
وذكر أعداء أبي الصقر أنه أراد أن يقرب إلى المعتمد بمال الموفق أسبابه، وأشاعوا ذلك عنه عند أصحاب الموفق، فنهبت دار أبي الصقر، حتى أخرجت نساؤه منها حفاة بغير أزر، ونهب ما يجاورها من الدور، وكسرت أبواب السجون وخرج من كان فيها.
وخلق الموفق على ابنه أبي العباس، وعلى أبي الصقر، وركبا جميعأن فمضى أبوالعباس إلى منزله، وأبوالصقر إلى منزله وقد نهب، فطلب حصيرة يقعد عليها عارية؛ فولى أبوالعباس غلامه بدراً الشرطة، واستخلف محمد بن غامن بن الشاة على الجانب الشرقي.
ومات الموفق يوم الأربعاء لثمان بقين من صفر من هذه السنة، ودفن ليلة الخميس بالرصافة، وجلس أبوالعباس للتعزية.
وكان الموفق عادلأن حسن السيرة، يجلس لمظالم وعنده القضاة وغيرهم، فينتصف الناس بعضهم من بعض، وكان عالماً بالأدب، والنسب، والفقه، وسياسة الملك، وغير ذلك.
قال يوماً: إن جدي عبد الله بن العباس قال: إن الذباب ليقع على جليسي فيؤذيني ذلك؛ وهذا نهاية الكرم، وأنا والله أرى جلسائي بالعين التي أرى بها إخواني، والله لوتهيأ لي أن أغير أسماءهم لنقلتها من الجلساء إلى الأصدقاء والإخوان.
وقال يحيى بن علي: دعا الموفق يوماً جلساءه، فسبقتهم وحدي، فلما رآني وحدي أنشد يقول:
واستصحب الأصحاب حتى إذا دنوا ** وملوا من الإدلاج جئتكم وحدي

فدعوت له، واستحسنت إنشاده في موضعه، وله محاسن كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.

.ذكر البيعة للمعتضد بولاية العهد:

لما مات الموفق اجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس بولاية العهد بعد المفوض ابن المعتمد، ولقب المعتضد بالله، وخطب له يوم الجمعة بعد المفوض، وذلك لسبع ليال بقين من صفر، واجتمع عليه أصحاب أبيه، وتولى ما كان أبوه يتولاه.
وفيها قبض المعتمد على أبي الصقر وأصحابه، وانتهب منازلهم، وطلب بني الفرات فاختفوأن وخلع على عبيد اله بن سليمان بن وهب، وولاه الوزارة، وسير محمد بن أبي الساج إلى واسط ليرد غلامه وصيفاً إلى بغداد، فمضى وصيف إلى السوس فعاث بها ونهب الطيب، وأبى الرجوع إلى بغداد.
وفيها قتل علي بن الليث أخوالصفار، قتله رافع بن هرثمة، وكان قد يحنق به، وترك أخاه.
وفيها غار ماء النيل، فغلت الأسعار بمصر.

.ذكر ابتداء أمر القرامطة:

وفيها تحرك بسواد الكوفة قوم يعرفون بالقرامطة، وكان ابتداء أمرهم، فيما ذكر، أن رجلاً منهم قدم من ناحية خوزستان إلى سواد الكوفة، فكان بموضع يقال له النهرين، يظهر الزهد والتقشف، ويسف الخوص، ويأكل من كسب يده، ويكثر الصلاة، فأقام على ذلك مدة فكان إذا قعد إليه رجل ذاكره أمر الدين وزهده في الدنيأن وأعلمه أن الصلاة المفروضة على الناس خمسون صلاة في كل يوم وليلة، حتى فشا ذلك عنه بموضعه، ثم أعلمهم أنه يدعوإلى إمام من آل بيت الرسول، فلم يزل على ذلك حتى استجاب له جمع كثير.
وأن يقعد إلى بقال هناك: فجاء قوم إلى البقال يطلبون منه رجلاً يحفظ عليهم ما صرموا من نخلهم، فدلهم عليه وقال لهم: إن أجابكم إلى حفظ تمركم فإنه بحيث تحبون؛ فكلموه في ذلك؛ فأجابهم على أجرة معلومة، فكان يحفظ لهم، ويصلي اكثر نهاره، ويصوم، ويأخذ عند إفطاره من البقال رطل تمر فيفطر عليه، ويجمع نوى ذلك التمر ويعطيه البقال، فلما حمل التجار تمرهم حاسبوا أجيرهم عند البقال، ودفعوا إليه أجرته، وحاسب الأجير البقال على ما أخذ منه من التمر، وحط ثمن النوى، فسمع أصحاب التمر محاسبته لبقال بثمن النوى فضربوه وقالوا له: ألم ترض بأكل تمرنأن حتى بعت النوى؟ فقال لهم البقال: لا تفعلوا! وقص عليهم القصة، فندموا على ضربه، واستحلوا منه ففعل، وازداد بذلك عند أهل القرية لما وقفوا عليه من زهده.
ثم مرض، فمكث على الطريق مطروحأن وكان في القرية رجل أحمر العينين، يحمل على أثوار له، يسمونه كرميته لحمرة عينيه، وهوبالنبطية أحمر العين، فكلم البقال الكرميتة في حمل المريض إلى منزله والعناية به، ففعل، وأقام عنده حتى برأن ودعا أهل تلك الناحية إلى مذهبه، فأجابوه، وكان يأخذ من الرجل إذا أجابه دينارأن ويزعم أنه للإمام، واتخذ منهم اثني عشر نقيباً أمرهم أن يدعوا الناس إلى مذهبهم، وقال: أنتم كحواريي عيسى بن مريم. فاشتغل أهل كور تلك الناحية عن أعمالهم بما رسم لهم من الصلوات. وكان للهيصم في تلك الناحية ضياع، فرأى تقصير الأكرة في عمارتهأن فسأل عن ذلك، فأخبر بخبر الرجل، فأخذه وحبسه، وحلف أن يقتله لما اطلع على مذهبه، وأغلق باب البيت عليه، وجعل مفتاح البيت تحت وسادته، واشتغل بالشرب، فسمع بعض من في الدار من الجواري بحبسه، فرقت للرجل، فلما نسام الهيصم أخذت المفتاح وقتحت الباب وأخرجته، ثم أعادت المفتاح إلى مكانه، فلما أصبح الهيصم فتح الباب ليقتله فلم يجده.
وشاع ذلك في الناس، فافتتن أهل تلك الناحية، وقالوا: رفع، ثم ظهر في ناحية أخرى، ولقي جماعة من أصحابه وغيرهم، وسألوه عن قصته فقال: لا يمكن أحداً أن ينالني بسوء! فعظم في أعينهم، ثم خاف على نفسه، فخرج إلى ناحية الشام، فلم يوقف له على خبر، وسمي باسم الرجل الذي كان في داره كرميتة صاحب الأنوار؛ ثم خفف فقيل قرمط، هكذا ذكره بعض أصحاب زكرويه عنه.
وقيل إن قرمط لقب رجل كان بسواد الكوفة يحمل غلة السواد على أثوار له، واسمه حمدان؛ ثم فشا مذهب القرامطة بسواد الكوفة، ووقف الطائي أحمد بن محمد على أمرهم، فجعل على الرجل منهم في السنة دينارأن فقدم قوم من الكوفة، فرفعوا أمر القرامطة والطائي إلى السلطان، وأخبروه أنهم قد أحدثوا ديناً غير دين الإسلام، وأنهم يرون السيف على أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، إلا من بايعهم، فلم يلتفت إليهم ولم يسمع قولهم.
وكان فيما حكي عن القرامطة من مذهبهم أنهم جاؤوا بكتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم! يقول الفرج بن عثمان، وهومن قرية يقال لها نصرانة، داعية المسيح، وهوعيسى، وهوالكلمة، وهوالمهدي، وهوأحمد بن محمد بن الحنيفة، وهوجبريل؛ وذكر أن المسيح تصور له في جسم إنسان، وقال له: إنك الداعية، وإنك الحجة، وإنك الناقة، وإنك الدابة، وإنك يحيى بن زكرياء، وإنك روح القدس.
وعرفه أن الصلاة أربع ركعات: ركعتان قبل طلوع الشمس، وركعتان بعد غروبهأن وأن الأذان في كل صلاة أن يقول المؤذن: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن آدم رسول الله، أشهد أن نوحاً رسول الله، أشهد أن إبراهيم رسول الله، أشهد أن موسى رسول الله، أشهد أن عيسى رسول الله؛ أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن أحمد ابن محمد بن الحنيفة رسول اله، وأن يقرا في كل ركعة الاستفتاح، وهي من المنزل على أحمد بن محمد بن الحنيفة، والقبلة إلى بيت المقدس، والحج إلى بيت المقدس، وأن الجمعة يوم الاثنين لا يعمل فيه شيء، والسورة: الحمد لله بكلمته، وتعالى باسمه، المتخذ لأوليائه بأوليائه.
{يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس} البقرة: 189، ظاهرها ليعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيام، وباطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي اتقوني يا أولي الألباب، وأنا الذي لا أسأل عما أفعل، وأنا العليم الحكيم، وأنا الذي أبلوعبادي، وامتحن خلقي، فمن صبر على بلائي، ومحنتي، واختباري ألقيته في جنتي، وأخلدته في نعمتي، ومن زال عن أمري، وكذب رسلي أخذته مهاناً في عذابي، وأتممت أجلي، وأظهرت أمري على ألسنة رسلي.
وأنا الذي لم يعلوعلي جبار إلا وضعته، ولا عزيز إلا أذللته، وليس الذي أصر على أمري ودام على جهالته، وقالوا: لن نبرح عليه عاكفين، وبه موقنين، أولئك هم الكافرون.
ثم يركع، ويقول في ركوعه: سبحان ربي رب العزة وتعالى عما يصف الظالمون، يقولها مرتين فإذا سجد قال: الله أعلى، الله أعلى، الله أعظم، الله أعظم.
ومن شريعته أن يصوم يومين في السنة، وهما المهرجان والنيروز، وأن النبيذ حرام، والخمر حلال، ولا غسل من جنابة إلا الوضوء كوضوء الصلاة، وأن من حاربه وجب قتله، ومن لم يحاربه ممن يخالفه أخذ منه الجزية، ولا يؤكل كل ذي ناب، ولا كل ذي مخلب.
وكان مسير قرمط إلى سواد الكوفة قبل قتل صاحب الزنج، فسار قومط إليه وقال له: إني على مذهب رأي، ومعي مائة ألف ضارب سيف، فتناظرني، فإن اتفقنا على المذهب ملت إليك بمن معي، وإن تكن الأخرى انصرفت عنك. فتناظرا، فاختلفت رؤاهما، فانصرف قرمط عنه.

.ذكر غزو الروم ووفاة بازمار:

فيهأن في جمادى الآخرة، دخل أحمد العجيفي طرسوس، وغزا مع بازمار الصائفة، فبلغوا شكند، فأصابت بازمار شظية من حجر منجنيق في أضلاعه، فارتحل عنها بعد أن أشرف على أخذهأن فتوفي في الطريق منتصف رجب، وحمل إلى طرسوس فدفن بها.
وكان قد أطاع خمارويه بن أحمد بن طولون، فلما توفي خلفه ابن عجيف، وكتب إلى خمارويه يخبره بوته، فأقره على ولاية طرسوس، وأمده بالخيل والسلاح والذخائر وغيرهأن ثم عزله، واستعمل عليها ابن عمه محمد بن موسى بن طولون.

.ذكر الفتنة بطرسوس:

وفيها ثار الناس، بطرسوس، بالأمير محمد بن موسى، فقبضوا عليه.
وسبب ذلك أن الموفق لما توفي كان له خادماً من خواصه يقال له: راغب، فاختار بالجهاد، فسار إلى طرسوس على عزم المقام بهأن فلما وصل إلى الشام سير ما معه من دواب وآلات وخيام وغير ذلك إلى طرسوس، وسار هوجريدة إلى خمارويه ليزوره، ويعرفه عزمه، فلما لقيه بدمشق أكرمه خمارويه، وأحبه، وأنس به، واستحيا راغب أن يطلب منه المسير إلى طرسوس، فطال مقامه عنده، فظن أصحابه أن خمارويه قبض عليه، فأذاعوا ذلك، فاستعظمه الناس، وقالوا: يعمد إلى رجل قصد الجهاد في سبيل الله فيقبض عليه! ثم شغبوا على أميرهم محمد ابن عم خمارويه، وقبضوا عليه، وقالوا: لا يزال في الحبس إلى أن يطلق ابن عمك راغباً؛ ونهبوا داره، وهتكوا حرمه.
وبلغ الخبر إلى خمارويه، فأطلع راغباً عليه، وأذن له على في المسير إلى طرسوس، فلما بلغ إليها أطلق أهلها أميرهم، فلما أطلقوه قال لهم: قبح الله جواركم! وسار عنها إلى البيت المقدس، فأقام به، ولما سار عن طرسوس عاد العجيفي إلى ولايتها.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها ظهر كوكب ذو جمة، وصارت الجمة ذؤابة.
وحج بالناس هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق الهاشمي.
وتوفي فيها عبد الكريم الدير عاقولي.
وفيها توفي إسحاق بن كنداج، وولي ما كان إليه من أعمال الموصل وديار ربيعة ابنه محمد.
وتوفي إدريس بن سليم الفقعسي الموصلي، وكان كثير الحديث والصلاح.

.حوادث سنة تسع وسبعين ومائتين:

.ذكر خلع جعفر بن المعتمد وولاية المعتضد:

في هذه السنة، في المحرم، خرج المعتمد على الله، وجلس للقواد والقضاة ووجوه الناس، وأعلمهم أنه خلع ابنه المفوض إلى الله جعفراً من ولاية العهد، وجعل ولاية العهد للمعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق، وشهدوا على المفوض أنه قد تبرأ من العهد، وأسقط اسمه من السكة، والخطبة، والطراز، وغير ذلك، وخطب للمعتضد، وكان يوماً مشهوداً. فقال يحيى بن علي يهنئ المعتضد:
ليهنك عقد أنت فيه المقدم ** حباك به رب بفضلك أعلم

فإن كنت قد أصبحت والي عهدنا ** فأنت غداً فينا الإمام المعظم

ولا زال من ولاك فينا مبلغاً ** مناه، ومن عاداك يشجى ويرغم

وكان عمود الدين فيه تأود ** فعاد بهذا العهد وهومقوم

وأصبح وجه الملك جذلان ضاحكاً ** يضيء لنا منه الذي كان يظلم

فدونك فاشدد عقد ما قد حويته ** فإنك دون الناس فيه المحكم

وفيها نودي بمدينة السلام أن لا يقعد على الطريق ولا في المسجد الجامع قاض، ولا منجم، ولا زاجر، وحلف الوراقون أن لا يبيعوا كتب الكلام والجدل والفلسفة.
وفيها قبض على جراد كاتب أبي الصقر إسماعيل بن بلبل.
وفيها انصرف أبوطلحة منصور بن مسلم من شهرزور، وكانتله، فقبض عليه.

.ذكر الحرب بين الخوارح وأهل الموصل والأعراب:

في هذه السنة اجتمعت الخوارج، ومقدمهم هارون، ومعهم متطوعة أهل الموصل وغيرهم، وحمدان بن حمدون التغلبي، على قتال بني شيبان.
وسبب ذلك أن جمعاً كثيراً من بني شيبان عبروا الزاب، وقصدوا نينوى من أعمال الموصل، للإغارة عليها وعلى البلد، فاجتمع هارون الشاري، وحمدان بن حمدون، وكثير من المتطوعة المواصلة، وأعيان أهلهأن على قتالهم ودفعهم.
وكان بنوشيبان نزلوا على باعشيقا، ومعهم هارون بن سليمان، مولى أحمد بن عيسى بن الشيخ الشيباني، صاحب ديار بكر، وكان قد أنفذه محمد ابن إسحاق بن كنداج والياً على الموصل، فلم يمكنه أهلها من المقام عندهم، فطردوه، فقصد بني شيبان معاوناً على الخوارج وأهل الموصل، فالتقوأن وتصافوأن واقتتلوأن فانهزمت بنوشيبان، وتبعهم حمدان والخوارج، وملكوا بيوتهم، واشتغلوا بالنهب.
وكان الزاب لما عبره بنوشيبان زائدأن فلما انهزموا علموا أن لا ملجأ ولا منجى غير الصبر، فعادوا إلى القتال، والناس مشغولون بالنهب، فأوقعوا بهم، وقتل كثير من أهل الموصل ومن معهم وعاد الظفر للأعراب.
وكتب هارون بن سيما إلى محمد بن إسحاق بن كنداج يعرفه أن البلد خارج عن يده إن لم يحضر هوبنفسه، فسار في جيش كثيف يريد الموصل، فخافه أهلهأن فانحدر بعضهم إلى بغداد يطلبون إرسال وال إليهم، وإزالة ابن كنداج عنهم، فاجتازوا في طريقهم بالحديثة، وبها محمد بن يحيى المجروح يحفظ الطريق، قد ولاه المعتضد ذلك، وقد وصل إليه عهد بولايته الموصل، فحثوه على تعجيل الير وأن يسبق محمد بن كنداج إليهأن وخوفوه من ابن كنداج إن دخل الموصل قبله، فسار، فسبق محمد إليهأن ووصل محمد بن كنداج إلى بلد، فبلغه دخول المجروح الموصل، فندم على التباطؤ وكتب إلى خمارويه بن طولون يخبره الخبر، فأرسل أبا عبد الله بن الخصاص بهدايا كثيرة إلى المعتضد، ويطلب أموراً، منها إمرة الموصل كما كانت له قبل، فلم يجب إلى ذلك، وأخبره كراهة أهل الموصل من عماله، فأعرض عن ذكرها.
وبقي المجروح بالموصل يسيرأن وعزله المعتضد، واستعمل بعده علي ابن داود بن زهراد الكردي، فقال شاعر يقال له العجيني:
ما رأى الناس لهذا ال ** دهر مذ كانوا شبيهاً

ذلت الموصل حتى ** أمر الأكراد فيها